الطلاق لا يحدث بين شخصين فقط، بل بين عالمين كانا يكوّنان بيتًا
واحدًا.
بالنسبة للأطفال، لا يكون الأمر “انفصال والدين” فحسب، بل
اهتزازًا في فكرة الأمان نفسها.
قد يشعر الطفل فجأة بأن الحياة كما عرفها قد تغيّرت:
أين سأعيش؟ من سيأخذني إلى المدرسة؟ هل ما زال أبي يحب أمي؟ هل أنا
السبب؟
هذه الأسئلة لا تُقال أحيانًا، لكنها تسكن في نظراتهم وسلوكهم، وتخرج على
هيئة قلق أو غضب أو صمت طويل.
ولأن الطلاق — مهما كان ضروريًا — يترك أثرًا عاطفيًا على الصغار، فإن دورك
كأب أو أم لا ينتهي بانفصال الورق، بل يبدأ من جديد بشكلٍ مختلف.
في هذا المقال سنفهم معًا أكثر ردود الأفعال شيوعًا للأطفال أثناء الطلاق، وكيفية التعامل معها بطريقة تُعيد إليهم الشعور بالاستقرار والأمان.
ما ستجده في المقال
- القلق والخوف من المجهول
- الغضب واللوم
- الحزن والأسى على شكل الأسرة
- الارتباك والشعور بالذنب
- التعلق بحلم المصالحة
- الانسحاب والعزلة
- السلوكيات العدوانية أو الدراسية
- اضطرابات النوم أو الأكل
- صراع الولاء والانحياز
- الارتياح المفاجئ بعد الصراع
- كيف تساعد طفلك على التكيف؟
- متى تحتاج إلى دعم مختص؟
القلق والخوف من المجهول
أكثر ما يربك الطفل هو غياب الوضوح.
يخاف من فكرة الانتقال، من الانفصال عن أحد والديه، أو من أن يُترك وحيدًا
في عالم جديد لا يفهمه.
قد يسأل: “مع من سأعيش؟” أو “هل ستراني كل يوم؟” — وهذه ليست أسئلة بسيطة،
بل محاولة لاستعادة الإحساس بالأمان.
كيف تساعده؟ أخبره بما يمكنه توقعه بلغة تناسب عمره.
طمئنه أن حبكما له لا يتغير، وأن كليكما سيظل موجودًا في حياته، حتى لو في
بيتين مختلفين.ولا تعده بما لا يمكنك تنفيذه، فالمصداقية أكثر أهمية من التطمين
اللحظي.
الغضب واللوم
كثير من الأطفال يختارون أحد الوالدين كـ"سبب" للطلاق، أو يوجهون غضبهم
لكليكما.
الغضب هنا ليس عدوانًا، بل وسيلة للتعبير عن الألم.
كيف تساعده؟ اعترف بمشاعره دون تبرير أو دفاع.
قل له مثلاً: “أعرف أنك غاضب، وهذا طبيعي، لكن هذا القرار لم يكن
بسببك.”
استخدم دائمًا “نحن” بدلًا من “أنا” أو “هو”، لتجنّب وضع الطفل في صفٍ ضد
الآخر.
الحزن والأسى على شكل الأسرة
الطفل لا يحزن فقط على غياب أحد الوالدين، بل على فقدان الصورة التي
كانت تمثل “العائلة”.
الروتين تغيّر، المائدة لم تعد كما كانت، والأعياد تحمل شعورًا غريبًا
بالنقص.
كيف تساعده؟ ذكّره أن الأسرة لا تنتهي بالطلاق، بل تتغير شكلها فقط.
احرص على إبقاء تقاليد صغيرة مشتركة: مكالمة مسائية، نزهة أسبوعية، أو رسالة
صباحية.فالاستمرارية تمنح الطفل شعورًا بأن الحب لم يتبخر.
الارتباك والشعور بالذنب
الأطفال الصغار خصوصًا قد يظنون أنهم السبب في الطلاق: “لو تصرفت جيدًا، لما تشاجروا.” يعد هذا الشعور بالذنب من أكثر ما يؤذي نفس الطفل على المدى الطويل.
كيف تساعده؟ كرّر له بوضوح أن الطلاق قرار بين الكبار، لا علاقة له بتصرفاته.
طمئنه بأن حبكما له لا يعتمد على السلوك أو العلامات الدراسية، بل هو حب
ثابت غير مشروط.
التعلق بحلم المصالحة
حتى بعد الطلاق بسنوات، قد يعيش الطفل في انتظار أن يرى والديه معًا
مجددًا.
هذا الحلم يمنحه أملًا، لكنه قد يمنعه من التكيف مع الواقع الجديد.
كيف تساعده؟ اعترف برغبته تلك ولا تسخر منها، ثم ساعده على رؤية الحقيقة برفق:
“نفهم أنك تتمنى أن نعود معًا، لكن هذا لن يحدث. ما يمكننا فعله هو أن نحبك
ونتعاون لأجلك دائمًا.”
الانسحاب والعزلة
بعض الأطفال ينسحبون إلى داخلهم كآلية حماية.وقد يقضون وقتًا أطول في غرفهم، أو يبدون غير مبالين، بينما هم في الحقيقة غارقون في الحزن.
كيف تساعده؟ اقترب دون ضغط. قل له: “أنا هنا إذا أردت التحدث، حتى لو بعد حين.”
شاركهم لحظات بسيطة دون أسئلة كثيرة — فيلم، وجبة، نزهة قصيرة — فالحضور
الهادئ يعيد الأمان أكثر من الكلمات.
السلوكيات العدوانية أو الدراسية
تراجع الدرجات، العصبية، أو المشاجرات المتكررة ليست دائمًا “سوء تربية”، بل علامات على ألمٍ لا يعرف الطفل كيف يعبر عنه.
كيف تساعده؟ تواصل مع معلميه لشرح الوضع. وحاول وضع قواعد واضحة لكن رحيمة، واسمح له بالتنفيس بطرق إيجابية: رياضة، رسم،
موسيقى، أو حتى الحديث.
وإن استمر السلوك، استعن بمعالج أسري مختص.
اضطرابات النوم أو الأكل
الكوابيس، والتبول اللاإرادي،و فقدان الشهية أو الإفراط في الأكل — كلها رسائل غير لفظية من الجسد تعبر عن القلق الداخلي.
كيف تساعده؟ حافظ على روتين منتظم للنوم والطعام.واقرأ معه قبل النوم، أو استعن بطقوس مهدّئة مثل الضوء الدافئ والموسيقى الهادئة. وإن استمرّت الأعراض، استشر طبيبًا نفسيًا للأطفال.
صراع الولاء والانحياز
حين يشعر الطفل أنه مجبر على اختيار أحد الوالدين، يفقد الإحساس بالأمان
العاطفي.
قد يتجنب الحديث عن أحدكما أمام الآخر خوفًا من رد الفعل.
كيف تساعده؟ تجنّب تمامًا الحديث السلبي عن الطرف الآخر أمامه.
اسمح له بأن يحب كليكما بحرية.فكل كلمة سيئة عن شريكك السابق، تُصيب نصف قلب طفلك دون أن تدري.
الارتياح المفاجئ بعد الصراع
في حالات الزواج التي كان يسودها التوتر أو العنف، قد يشعر الطفل بالراحة
بعد الطلاق.
لكنه رغم الارتياح، يظل بحاجة إلى معالجة مشاعر مختلطة من الخوف أو الذنب أو
الفقد.
كيف تساعده؟ اعترف بإحساسه بالراحة، ولا تفسره على أنه “قلة حزن”.
شجعه على الحديث عن كل المشاعر، لا الإيجابية فقط. حتى الراحة تحتاج إلى فهم.
كيف تساعد طفلك على التكيف؟
- كن حاضرًا عاطفيًا أكثر من كونك حاضرًا جسديًا.
- اجعل التواصل بينكما بسيطًا وواضحًا.
- التزم بالوعود التي تقطعها له، فالثقة هي الركيزة الأساسية للتعافي.
- لا تحاول إخفاء كل حزنك، بل شاركه جزءًا بسيطًا منه ليتعلم أن المشاعر يمكن احتواؤها دون خوف.
- ذكّره دائمًا أنه محبوب، وأن الطلاق لا يقلل من قيمته ولا من استحقاقه للحب.
متى تحتاج إلى دعم مختص؟
إذا لاحظت أن طفلك يعاني من:
- قلق أو اكتئاب مستمر.
- سلوكيات عدوانية متكررة.
- تراجع دراسي شديد.
-
اضطرابات نوم أو أكل مستمرة.
فلا تتردد في طلب مساعدة اختصاصي نفسي للأطفال أو معالج أسري.
التدخل المبكر يحمي من تراكم المشاعر المكبوتة ويعزز التكيف الصحيوفي النهاية الطلاق مؤلم، لكنه لا يجب أن يكون جرحًا لا يُشفى في قلب الطفل.
حين يجد فيكما تعاونًا واحترامًا متبادلًا، سيشعر أن الانفصال لا يعني الانهيار.
إن أكبر هدية يمكن أن تقدمها له ليست عودة الزواج، بل بيئة آمنة مليئة بالحب والاتزان.في معالج نفساني دوت كوم، يمكنك حجز جلسة مع الدكتور طارق عبد السلام المتخصص في العلاج الأسري ودعم الأطفال أثناء الطلاق — لمساعدتك في فهم احتياجات طفلك وبناء خطة تكيّف عملية للأسرة كلها.
احجز جلستك الآن، وابدأ رحلة شفاء أسرتك بخطوات هادئة وواثقة.

0 تعليقات